الحقوق الاقتصادية للنساء والفتيات ذوات الإعاقة

الحقوق الاقتصادية للنساء والفتيات ذوات الإعاقة

الحقوق الاقتصادية للنساء والفتيات ذوات الإعاقة

لا تزال فلسطين كما سواها من الدول أياً كان مستوى التقدم فيها تمارس على نحو مقصود وغير مقصود الكثيرمن سياسات وممارسات التمييز على نحو يعمق في تصنيف المواطنين ويحصر معادلة المواطنة لتكون على مقاس النسبة الأقل من السكان. ولعل الأشخاص ذوي الاعاقة عموماً والنساء والفتيات ذوات الإعاقة منهم بشكل خاص؛ يعايشن هذا التمييز بأشكال ومستويات متعددة تطال في كثير من الأحيان الحدود الدنيا من مقومات الحياة الكريمة، وتبقي هذه المجموعة أبعد ما يكون عن سلم الأولويات الوطنية والمركبات البارزة للمجتمع، مما يتسبب بالعديد من الانتهاكات لكافة الحقوق. ونركز في هذا المقال على أحد أشكال هذه الانتهاكات والمسمى بالعنف الاقتصادي.

ونقصد بالعنف الاقتصادي أي فعل يراد به الرقابة أو السيطرة على ممارسات الأفراد اتصالاً بكيفية صرف أو توزيع مواردهم المالية، على نحوٍ من شأنه أن يفقد هؤلاء الأفراد استقلاليتهم واعتمادهم على الذات ومستوى استقرارهم الاقتصادي والنفسي، كما ويهدد إمكانيات الحصول على عمل أو الحفاظ على الوظيفة. واتصالاً بالعنف الاقتصادي الموجه ضد النساء والفتيات، فإنه يحرم المرأة من حقها في العمل وممارسة الضغوط عليها وإجبارها على ترك العمل وحرمانها من حقها في الملكية والميراث ومنعها من الحصول على الموارد وتمكلها والسيطرة عليها.

إضاءات حول العنف الاقتصادي:

تبين المشاهدات ونتائج التقارير الأولية التي قامت بها مؤسسة قادر للتنمية المجتمعية حول الحقوق الاقتصادية مجموعة من الانتهاكات التي تتعرض لها النساء والفتيات ذوات الاعاقة في فلسطين اتصالاً بحقوقهن الاقتصادية، وأبرزها حول الحق في العمل حيث تواجه النساء والفتيات ذوات الاعاقة من محدودية في الوصول إلى فرص العمل، بدءاً من المعلومات عن الوظائف الشاغرة مروراً بتحديات الحصول على خدمات التمكين الاقتصادي وانتهاءاً بالتعيين وما يسبقه من إجراءات لا تتوفر على مقومات امكانية الوصول، وتسيطر عليها في الكثير من الأحيان الصور النمطية السائدة والأحكام المسبقة.  هذا وتبين المشاهدات أن هناك عدد قليل من النساء والفتيات ذوات الإعاقة اللواتي يبحثن عن فرص عمل بشكل نشط، الأمر الذي يعود لتجارب سلبية سابقة عايشنها أو سمعن عنها من أقرانهن. وليست بمجازفة القول بأن نسبة البطالة بين صفوف النساء والفتيات ذوات الاعاقة أكثر وأعمق مقارنة بالشباب والرجال ذوي الإعاقة. تبين المشاهدات أيضاً بأن النساء والفتيات ذوات الاعاقة  لا يتم سؤالهن عن أية احتياجات تمكنهن من القيام بمهامهن بشكل كريم ومستقل وآمن أثناء التعيين، كما أنه لا يتم تأمين المتطلبات والاحتياجات التي من شأنها أن تكفل للنساء والفتيات ذوات الإعاقة تأدية المهام بشكل آمن ومستقل داخل بيئات العمل فيما لو تم توظيفهن.

أما بالنسبة للأجور فهناك العديد من علامات الاستفهام حول ما إذا كانت النساء والفتيات ذوات الإعاقة تتلقى أجوراً متساوية لقاء الأعمال التي يقمن بها. ولعل علامات الاستفهام هذه تبدأ بالنساء والفتيات ذوات الإعاقة أنفسهن والصور التي يقمن بتكوينها عن ذواتهن، الأمر الذي ينعكس بالضرورة على مستوى الرضا الذي لا يرتبط بالأجر، إنما يقتصر هذا الرضا على أنهن وجدن فرصة عمل. ومن ناحية أخرى هناك مشاهدات تدلل على وجود العديد من أشكال الاستغلال التي تتعرض لها النساء والفتيات ذوات الإعاقة اتصالاً بحقوقهن العمالية كما غيرهن من النساء، علماً بأن الوظيفة العمومية تمثل فرصةً أقل لمثل هذه الانتهاكات، تحديداً الحق في تلقي أجر مساوي لقاء عمل متساوي القيمة.

وفيما يتعلق بالحق في الحماية من التحرش وسوء المعاملة والحق في الإنصاف من المظالم داخل بيئات العمل، تشير العديد من الدراسات والمشاهدات إلى تعرض النساء للعديد من أشكال الانتهاكات داخل بيئات العمل وهذا ما ينطبق أيضاً على النساء والفتيات ذوات الإعاقة، حيث تأخذ أشكالاً إضافية ومختلفة ترتبط بعدم مراعاة نوع ودرجة الإعاقة، والإقصاء، والنبذ، والتمييز في فرص التقدم الوظيفي والترقي القائم على أساس الإعاقة وغيرها. وحتى اللحظة يبقى احتمال تعرض النساء والفتيات ذوات الإعاقة للتحرش أو العنف الجنسي داخل بيئات العمل؛ محل لعلامات الاستفهام التي تتأرجح ما بين الوعي والثقة بالنفس والخوف من فقدان العمل وضعف منظومة الحماية الاجتماعية، كما محدودية آليات الشكاوى والتظلم أو عدم فاعليتها.

ولا بد من التطرق إلى  واحدة من الحقوق الأساسية والتي تتمثل في الحق في إدارة الشؤون المالية والمعاملات البنكية باستقلالية، حيث تبين عديد المشاهدات أن المصارف والبنوك لا تزال مصممة على المستوى العمراني والإداري كما على مستوى التواصل الفعال بأشكال تمييزية و اقصائية قائمة في كثير من الأحيان على فلسفة الوصاية، والاعتقاد بعدم قدرتهن على إدارة شؤونهن المالية باستقلالية وهو ما يتجلى بالشكل الأكبر عند النساء والفتيات ذوات الإعاقة البصرية والذي يبقى رهناً بالاجراءات والمتطلبات البنكية والشروط المرتبطة بوجود شهود على معاملاتهن البنكية والذي يفقدهن الخصوصية على إدارة حساباتهن، ولطالما أدلت ولا تزال العديد من النساء والفتيات ذوات الاعاقة العاملات بسيطرة أسرهن على الموارد المالية الخاصة بهن، الأمر الذي امتد في بعض الأحيان ليطال حرمانهن من الزواج كي تبقى هذه الموارد رهن تصرف الأسرة. وفيما يخص الحق في الميراث والملكية للنساء والفتيات عموماً فهو محل قلق وانتهاك بشكل مستمر، نتيجة لضعف البيئة التشريعية وهيمنة العوامل الاجتماعية والأبوية على العديد من التوجهات والممارسات المجتمعية اتصالاً بهذا الحق. ومما لا شك فيه أن الاعاقة إذا ما أضيفت لنوع الجنس لا بد وأن تضاعف من احتمالات التعرض لانتهاك الحق في الميراث والملكية بأشكالٍ غير أخلاقية ولا انسانية. إذ تبين بعض المشاهدات بأن هناك أسر تلجأ لاستخدام تقارير طبية أو تلفيقها لصالح حجر هؤلاء النساء والفتيات وإثبات عدم قدرتهن على إدارة هذا الحق، ومن الهام التنويه هنا إلى أن القانون في مثل هذه السياقات يصلح عليه الوصف بأنه لا يزيد عن كونه قالب يتسع لشرعنة هذا الانتهاك وإظهاره بصورة الحماية.

وأخيراً إن الجوانب أعلاه لا تزيد عن كونها إضاءات على واقع الحقوق الاقتصادية للنساء والفتيات ذوات الإعاقة، والذي يتطلب المزيد من الدراسة والفهم. ولكن لا بد من الانتهاء بالقول أن الانتهاكات للحقوق الاقتصادية لهذه الفئة المجتمعية هي امتداد للعديد من التجاوزات والخروقات التي تقع عليهن في مجالات وميادين حياتية مختلفة، فالحقوق ذات طبيعة متماسكة وخرق أحدها يتسبب أحياناً بخرق أكثرها قدسية.

شروق الأفندي - منسقة مشاريع / مؤسسة قادر

مجلة فلسطين الشباب العدد 171 آذار 2021 للاطلاع على المجلة يرجى الضغط هنا