عشية اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة: الأمم المتحدة عاجزة عن حماية الفلسطينيين من العدوان الإسرائيلي على غزة
عشية اليوم العالمي للأشخاص ذوي الإعاقة
الأمم المتحدة عاجزة عن حماية الفلسطينيين من العدوان الإسرائيلي على غزة
تطالب مؤسسة قادر للتنمية المجتمعية الأمم المتحدة والمجتمع الدولي بالتدخل الفوري والعاجل لوقف العدوان على قطاع غزة وحماية الفلسطينيين، وخاصة الفئات المهمشة من النساء والأطفال وكبار السن والأشخاص ذوي الإعاقة.
وتؤكد على ضرورة إدخال المساعدات الإنسانية للفلسطينيين في قطاع غزة بشكل فوري، والأخذ بعين الإعتبار احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة من الأدوية والمستهلكات والمستلزمات الطبية والأدوات المساعدة وغيرها.
منذ السابع من أكتوبر يواجه سكان قطاع غزة هجمات حربية غير مسبوقة، في ممارسة ترتقي لاعتبارها مجازر تطهير عرقي حسب ما وصفتها المقرّرة الخاصّة للأمم المتحدة بشأن الأراضي الفلسطينية المحتلّة فرانشيسكا ألبانيز، حيث تسببت هذه الهجمات في استشهاد أكثر من 15 ألف فلسطيني أكثر من ثلثيهم من النساء والأطفال، إضافة إلى 7 آلاف مفقود حسبما أعلن المكتب الإعلامي الحكومي في غزة، هذا وتم تدمير 50% من مساكن قطاع غزة حسبما أعلن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي.
يبلغ عدد سكان قطاع غزة 2 مليون و300 ألف نسمة، وتشكل نسبة الاشخاص ذوي الإعاقة في القطاع نحو 7% من السكان حسب مسح الافراد ذوي الإعاقة 2011 الصادر عن الجهاز المركز للإحصاء الفلسطيني، على الرغم من أن التقديرات العالمية تشير إلى أن نسبة الأشخاص ذوي الإعاقة تصل إلى 16% من سكان العالم. خاصة لما يعيشه قطاع غزة من حصار وعدوان مستمرين منذ أكثر من 16 عاماً ساهم في زيادة كبيرة في أعداد الأشخاص ذوي الإعاقة.
وتشير البيانات الصادرة عن منظمات الأمم المتحدة والمؤسسات الدولية المعنية أن الاشخاص ذوي الإعاقة هم أكثر عرضة للتهديد والخطر في حالات الطوارئ والحروب، لما لديهم من أوضاع خاصة تحد من إمكانية حمايتهم لأنفسهم، وتزيد من إمكانية تعرضهم للحوادث والخطر، وقد أكدت المادة (11) من الاتفاقية الدولية لحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة على أنه: "تتعهد الدول الأطراف وفقاً لمسؤولياتها الواردة في القانون الدولي...، باتخاذ كافة التدابير الممكنة لضمان حماية وسلامة الأشخاص ذوي الإعاقة الذين يتواجدون في حالات تتسم بالخطورة، بما في ذلك حالات النـزاع المسلح والطوارئ الإنسانية والكوارث الطبيعية".
النزوح القسري
تمكنت مؤسسة قادر من جمع معلومات حول وضع الأشخاص ذوي الإعاقة في غزة من خلال خط المساعدة الطارئ للأشخاص ذوي الإعاقة وعائلاتهم على مدار الساعة؛ حيث أطلق الخط منذ بداية العدوان الحربي على القطاع. وفي مكالمة هاتفية عبر الخط قال الشاب أ.ق (32 عاماً) وهو شخص ذو إعاقة حركية من مدينة غزة: "الوضع كارثي، طلعنا من مدينة غزة ونزحنا إلى رفح والأمور سيئة جداً". وأضاف "وضعي النفسي جداً سيء، الواحد وين ما يروح في أحداث وقصف ودمار". ولم نستطع اتمام المكالمة فقد انقطع الخط بشكل مفاجئ وخرج الهاتف عن التغطية.
حين يقصف الاحتلال أحد أحياء قطاع غزة فإن أهالي هذا الحي يهرعون مباشرة إلى الشوارع خوفاً من تدمير منازلهم فوق رؤوسهم، لكن ماذا لو كان من بين هؤلاء السكان أشخاص من ذوي الإعاقة السمعية (الصم)؟. كما أن العديد من الأشخاص ذوي الإعاقة السمعية فروا من منازلهم دون أجهزة السمع الخاصة بهم، ولا يمكنهم التواصل مع آلاف الأشخاص الآخرين الذين لجأوا إلى مراكز الإيواء المكتظة، مما تسبب بشعورهم بالعزلة في المحيط وعن العالم.
في مقابلة مصورة على منصة الجزيرة بلس (AJ+)، الإبن الأكبر محمد يترجم ما تقوله أمه ولاء وأبوه أحمد اللذان يعيشان مع إعاقة سمعية، تقول أمه: "كنا قاعدين مبسوطين، فجأة بلش القصف حولينا، ما لقينا حالنا إلا كلنا بالشوارع نجري، ما بنفع نتفرق لازم كلنا نضل مع بعض، الطيارات بقصفوا، خفنا، ما في حدا ساعدنا"، ويضيف أحمد: "إمي وأبوي ما بسمعوا، شردنا وجينا على المستشفى، وأنا بقلهم شو بصير حوليهم وبساعدهم يتواصلوا مع الآخرين".
كما ويصف الأشخاص ذوو الإعاقة في غزة الصعوبات التي يواجهونها في الفرار من هجمات الاحتلال، خاصة في ظل غياب تحذيرات فعّالة من جيش الاحتلال، والدمار الهائل وكم الركام الذي يزيد من صعوبة التحرك باستخدام كراسيهم المتحركة وغيرها من الأجهزة المساعِدة. كما وتسبب القصف العشوائي والدمار الهائل في القطاع إلى فقدان العديد من الأشخاص ذوي الإعاقة لأجهزتهم المساعِدة عندما دمّرت الغارات الإسرائيلية منازلهم أو ألحقت بها أضراراً، ما تركهم بلا مأوى وغير قادرين على الحصول على احتياجاتهم الأساسية. وفي مقابلة مع هيومن رايتس ووتش قال أبو شاكر (49 عاماً)، وهو شخص ذو إعاقة حركية وتعرض المنزل المجاور لمنزله للقصف مما استدعى هروبه من منزله: "كان الجميع من حولي يركضون، وأنا وقفت هناك وكنت أشعر بإعاقتي".
هذا وقالت الباحثة الأولى في حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في هيومن رايتس ووتش أمينة تشيريموفيتش: "يزيد الهجوم البري الكبير الذي شنه الجيش الإسرائيلي في غزة بشكل لا يوصف الصعوبات الخطيرة التي يواجهها الأشخاص ذوو الإعاقة في الفرار، والعثور على مأوى، والحصول على المياه والغذاء والدواء والأجهزة المساعِدة التي يحتاجون إليها بشدة".
رغم أن القانون الإنساني الدولي والقانون الدولي لحقوق الإنسان يحميان حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في النزاعات المسلحة، ولكن ما نشاهده في قطاع غزة، هو انتهاك صارخ لكل القوانين والمواثيق الدولية، حيث يقوم الاحتلال باستهداف كل الفلسطينيين إن كانوا أطفالاً أو نساءً أو مرضى أو من الأشخاص ذوي الإعاقة، خاصة أثناء تنقلهم في الممرات "الآمنة" التي أعلن عنها الاحتلال، ولكن حسب التقارير الإعلامية قام الاحتلال بإستهداف النازحين في تلك الممرات التي إدعى أنها آمنة.
النساء والفتيات ذوات الإعاقة
تواجه النساء ذوات الإعاقة بشكل خاص في قطاع غزة عنفاً مضاعفاً خلال الحرب، وكما باقي أفراد المجتمع بكافة شرائحه تفتقر النساء، بمن فيهن النساء ذوات الإعاقة للحماية، حيث لم تتوقف وتيرة القصف والتي راح ضحيتها ما يزيد عن 4,000 امرأة، ويتم استهداف المدنيين والنساء بشكل مقصود في انتهاك صارخ لكافة المواثيق والاتفاقيات الدولية.
و.أ (35 عاماً) وهي إمرأة ذات إعاقة بصرية وتعاني من إرتفاع ضغط وفقر الدم وسوء التغذية، كما وأنها حامل في شهرها السادس، وبدأت حديثاً تعاني من سكري الحمل. قصف منزلها فاضطرت وعائلتها للنزوح إلى مركز إيواء في ظروف صعبة للغاية. تقول: "أوضاعنا سيئة جداً، بيوتنا قُصفت ونحن فيها، والحالة المعيشية في مراكز الإيواء صعبة جداً، صرت بالشهر السادس وحجم الجنين كثير ضعيف وحركته ضعيفة".
يعتبر الحق في الصحة من أهم الحقوق الإنسانية وخاصة للأشخاص ذوي الإعاقة لارتباطها بشكل مباشر في حقهم بالحياة، لاسيما في وقت الأزمات والحروب والطوارئ، لما تتسبب به الحرب من تفاقم في تردي الأوضاع الصحية للمجتمع ككل، وخاصة فئاته المهمشة ومنها الأشخاص ذوو الإعاقة، خاصة في ظل صعوبة الحصول على خدمات صحية موائمة.
مراكز الإيواء غير قابلة للحياة
بحسب وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فقد وصل عدد النازحين في مختلف أنحاء قطاع غزة إلى نحو مليون و800 ألف شخص منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يعيشون منذ عدة أسابيع ظروف قاسية في المستشفيات والمدارس التابعة للأونروا بسبب الاكتظاظ ونقص المياه والطعام، وتدنى مستوى المرافق الصحية، فهنالك اكتظاظ في 150 مركز إيواء خصصتها الأونروا، حيث وصل متوسط عدد النازحين في كل مركز إيواء إلى أكثر من ضعفي ونصف طاقته الاستيعابية، كما أن مراكز الإيواء غير مجهزة لتلبية احتياجات النازحين من الأشخاص ذوي الإعاقة، الذين يشكلون نسبة كبيرة من النازحين. وتتضاعف المعاناة بالنسبة لعشرات آلاف النازحين من الأشخاص ذوي الإعاقة والجرحى والمرضى بما في ذلك الأطفال، وسط انعدام توفر أي أجهزة مساعدة ومستلزمات النظافة وغيرها.
وبحسب تقرير نشرته قناة الجزيرة على موقعها الإلكتروني، الطفلة وئام ذات السبعة أعوام، تجلس على كرسيها المتحرك أمام أحد صفوف مدرسة إيواء للنازحين تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، ولا تستطيع أن تجد مكاناً تنام فيه غير قطعة قماش تفرشها تحت جسدها الصغير خلال الليل. تقول وئام: "جئنا في بداية الحرب نازحين من بلدة خزاعة شرق خان يونس، وأقلق دائماً على شعور أهلي وخوفهم عليّ عندما يحدث قصف، ونضطر إلى الخروج وحركتي صعبة، أخاف أن أعرّض حياة أحد للخطر".
هذا وقطعت دولة الاحتلال في 11 تشرين الأول جميع إمدادات المياه عن قطاع غزة، في انتهاك صارخ لأدنى معايير القانون الدولي الإنساني خلال الحروب. وقد أكد الأشخاص ذوو الإعاقة وأسرهم من خلال إفاداتهم لطاقم مؤسسة قادر، أن فرص حصولهم على مياه الشرب النظيفة محدودة، وخيارهم الوحيد اليوم هو المياه الجوفية. وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، قد أفاد سابقاً أن غالبية المياه الجوفية في غزة غير صالحة للاستهلاك الآدمي، كما أكدت سلطة المياه الفلسطينية في غزة بأن 97% من المياه الجوفية في القطاع لا تُطابق معايير جودة المياة الصالحة للشرب عالمياً.
كما أن هنالك نقص كبير في الطعام وتدني في جودته، خاصة للأشخاص ذوي الإعاقة الذين يحتاجون إلى نظام غذائي خاص، ولا يوجد تلبية لاحتياجات الأشخاص الذين يعانون من اضطرابات في الهضم وعسر وصعوبة البلع ارتباطاً بأنواع معينة من الإعاقات.
كما ويعاني معظم الأشخاص ذوو الإعاقة الذين نزحوا من بيوتهم، من صعوبة استخدام المراحيض في المدارس والمستشفيات والملاجئ التي لجأوا إليها لأنها غير موائمة، وهنالك نقص كبير في مستلزمات النظافة الأساسية، مثل ورق المرحاض والصابون، مما يساهم في تفشي الأمراض المعدية، حيث يحتجز الآلاف من الفلسطينيين في مراكز إيواء غير مُعدة لاستيعابهم بهذه الأعداد، وفي ظل حصار وقصف مستمرين يستهدفان الجميع دون تفرقة