نداء عاجل: إدماج احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة أولوية في الاستجابة الإنسانية وإعادة الإعمار في غزة

تتابع مؤسسة قادر للتنمية المجتمعية باهتمام بالغ التطورات الميدانية في قطاع غزة بعد دخول اتفاق وقف إطلاق النار مرحلة التنفيذ، عقب أكثر من عامين من الإبادة الجماعية والتدمير الممنهج الذي طال الأحياء السكنية والمستشفيات والمدارس ودور العبادة والبنية التحتية والمرافق العامة، وخلَّف آثاراً كارثية على جميع فئات السكان المدنيين، ولا سيما الأشخاص ذوي الإعاقة بمختلف الإعاقات الذين يواجهون معاناة مُركّبة ومتواصلة في ظلّ استمرار الحصار وسياسة التجويع والعقوبات الجماعية.
وفي ضوء إعلان الأمم المتحدة بتاريخ 22 آب/أغسطس 2025 عن انتشار المجاعة رسمياً في مدينة غزة، وتأكيد لجنة التحقيق الدولية المستقلة (COI) التابعة للأمم المتحدة في تقريرها الصادر بتاريخ 16 أيلول/سبتمبر 2025 على تحقّق أربع صور من الإبادة الجماعية في القطاع، فإنَّ مؤسسة قادر تؤكد وتشدد على أنَّ المرحلة الراهنة تتطلّب استجابة إنسانية عاجلة وشاملة تُراعي احتياجات ومتطلبات الأشخاص ذوي الإعاقة بمختلف الإعاقات (الصعوبات)، وتضعهم في قلب خطط الإغاثة وإعادة الإعمار، بوصفهم من أكثر الفئات تضرّراً خلال العدوان وأقلُّها حصولاً على الخدمات الأساسية المنقذة للحياة.
تُشير المعلومات الموثّقة التي أوردتها مؤسسة قادر للتنمية المجتمعية في دراستها الشاملة حول أثر العدوان الإسرائيلي على غزة على حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والعديد من الأوراق والبيانات والتحليلات والتقارير الدولية المستندة إلى المتابعات الميدانية من فريقها العامل في قطاع غزة إلى أنّ آلاف المصابين خلال العدوان الأخير انضمّوا إلى صفوف الأشخاص ذوي الإعاقة، في حين فقد الآلاف غيرهم الخدمات والأجهزة والمساعدات التي كانت تحفظ لهم الحدّ الأدنى من الاستقلالية والكرامة.
وتُذكّر مؤسسة "قادر" للتنمية المجتمعية بأنّ اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، ولا سيما المواد (11) و(19) و(32)، تُلزم جميع الدول الأطراف باتخاذ جميع التدابير اللازمة لحماية الأشخاص ذوي الإعاقة في حالات الخطر والطوارئ الإنسانية، وضمان حقهم في العيش باستقلالية والمشاركة الكاملة في المجتمع، وتعزيز التعاون الدولي من أجل التنفيذ الفعّال للاتفاقية. ويقتضي ذلك إدماج احتياجات ومتطلبات الأشخاص ذوي الإعاقة بمختلف الإعاقات (الصعوبات) في جميع مراحل الإغاثة الطارئة، والاستجابة الإنسانية، والإنعاش المبكر، وإعادة الإعمار في قطاع غزة، بما يضمن الكرامة والمساواة وعدم التمييز.
الاحتياجات الإنسانية العاجلة للأشخاص ذوي الإعاقة في غزة
تُظهر أبحاث ودراسات "قادر" أنّ العدوان على غزة منذ 7 أكتوبر 2023 تسبّب بتدميرٍ شبه كامل للبنية الصحية والتأهيلية بما في ذلك المستشفيات والمراكز المتخصصة، وتلف أو فقدان الأطراف الصناعية، الكراسي المتحركة، العُكّازات، الأجهزة السَّمعية والبصرية، الفرشات الطبية، المُعينات الحركية، المكمّلات الغذائية، الأدوية والمستهلكات الطبية. وانقطعت سلاسل التوريد الخاصة بالعلاجات الدورية، وتدهورت أوضاع التغذية والعناية الصحية والنفسية على نحو يُهدّد حقَّ الحياة.
وفي ظل هذا الواقع الكارثي، تؤكد مؤسسة "قادر" أن تلبية احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة تُمثّل أولوية إنسانية عاجلة يجب إدراجها ضمن جميع مراحل الإغاثة الطارئة، والاستجابة الإنسانية، وبرامج إعادة الإعمار، وذلك من خلال ما يلي:
- توفير عاجل للأدوية والعلاجات للأشخاص ذوي الإعاقة بمختلف أنواع الإعاقات (السَّمعية، البصرية، الحَركية، الذهنية، النفسية، النُطقية) ووفقاً لأحكام اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وبما يشمل الأمراض المزمنة.
- توفير التطعيمات الأساسية للأطفال ذوي الإعاقة على نحو عاجل، وضمان استئناف برامج التحصين الدورية لجميع الأطفال في قطاع غزة، بما يشمل الأطفال ذوي الإعاقات المتعددة، كجزء من منظومة الرعاية الصحية الوقائية.
- إعادة تشغيل المراكز التأهيلية والمستشفيات المتخصصة، وتوريد الأطراف الصناعية والأجهزة المساعدة، بما في ذلك الكراسي المتحركة والعكّازات والمُعينات السَّمعية والبصرية، في ظل نقصٍ حادٍّ يُهدّد الحياة ويستدعي تدخّلاً فورياً.
- ضمان وصول الأشخاص ذوي الإعاقة بمختلف أنواع الإعاقات إلى المساعدات الإنسانية ومناطق التوزيع كاملة عبر آليات وصول ومعايير مُلزمة تُراعي الاحتياجات والفروق الفردية ونوع الجنس والإعاقة، والترتيبات التيسيرية المعقولة.
- الوصول الآمن والميسّر للأشخاص ذوي الإعاقة إلى خِيَم الإيواء والملاجئ المؤقتة، وتكييفها لتلبية احتياجاتهم من حيث التصميم والمرافق الصحية وممرات الحركة، ولا سيما مع اقتراب فصل الشتاء، وبما يكفل كرامتهم واستقلاليتهم.
- إدراج خدمات الدعم النفسي والاجتماعي والتأهيل المجتمعي ضمن برامج الطوارئ، مع إيلاء اهتمام خاص للنساء والأطفال ذوي الإعاقة في جميع مناطق قطاع غزة، ولا سيما المتضررين من الصدمات والنزوح، ودون أي استثناء.
- تمكين المنظمات الممثلة للأشخاص ذوي الإعاقة من الوصول الحر إلى الفئات المستهدفة في كامل قطاع غزة لتقييم الاحتياجات وإدارة الحالات ومتابعتها، وتوفير الدعم الفني واللوجستي لتمكينها من أداء مهامها بفعالية واستقلالية.
- توفير وسائل النقل والإخلاء الطبي الآمن للأشخاص ذوي الإعاقة والمصابين بإعاقات شديدةفي جميع أنحاء القطاع، وضمان دخول الفِرق الطبية المتخصصة بجميع التخصصات إلى القطاع دون عوائق، تنفيذاً للتدابير المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية بشأن حرية تدفق المساعدات والخدمات الإنسانية إلى قطاع غزة دون إبطاء.
- إتاحة الإجلاء الطبي المؤقت للحالات المعقّدة إلى خارج القطاع عند الحاجة، وبما يضمن حرية عودتهم إلى وطنهم بعد استكمال العلاج، رفضاً لأيّ سياسات تهجير قسري أو مساس بحق الشعب الفلسطيني في العودة وتقرير مصيره.
- إشراك المنظمات الممثلة للأشخاص ذوي الإعاقة في جميع مراحل التخطيط والتنفيذ والمتابعة والمراجعة للاستجابة الإنسانية، والإنعاش المبكر، وإعادة الإعمار، وفقاً للالتزامات الدولية الواردة في المادة (3/4) من اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، وقرار مجلس الأمن رقم (2475) لسنة 2019 بشأن حماية الأشخاص ذوي الإعاقة في النزاعات، وبما يضمن شراكتها الفاعلة في رسم الأولويات واتخاذ القرار، وتعزيز دورها الوطني في صياغة سياسات الإعمار الشامل القائم على الحقوق، ومنهج شمول الإعاقة؛ الذي يُشكّل جوهر التزامات الدول بموجب الاتفاقية.
الالتزامات القانونية الدولية وحرية تدفق المساعدات الإنسانية
تؤكد "قادر " على أنّ حرية تدفُّق المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة ليست مِنحة ولا ترتبط بحسن النوايا، بل هي التزام قانوني دولي مُلزم لجميع الدول وأجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها بموجب قرارات محكمة العدل الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة. فقد أصدرت محكمة العدل الدولية منذ 26 كانون الثاني/يناير 2024 ثلاث مجموعات من التدابير المؤقتة في الدعوى المقامة من دولة جنوب إفريقيا ضد إسرائيل استناداً لاتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية لعام 1948، والتي شدَّدت على:
• وجوب اتخاذ جميع الإجراءات الفعّالة لضمان وصول المساعدات والخدمات الإنسانية إلى كامل قطاع غزة، بما في ذلك الغذاء والدواء والمياه الصالحة للشرب والوقود والمعدات الطبية، دون أي عوائق أو قيود.
• إتاحة المرور الآمن للعاملين في المجال الإنساني والطبي وتمكينهم من أداء مهامهم بحرية واستقلالية.
• رفع أي قيود أو حصار من شأنه أن يمنع أو يُعرقل إدخال المساعدات الإنسانية إلى كامل قطاع غزة.
كما أكدت التدابير الإضافية الصادرة منذ 28آذار/مارس و24 أيار/مايو 2024 على أن عدم تنفيذ هذه الأوامر يُشكل خرقاً لالتزامات إسرائيل القانونية الدولية، ويُحمّل الدول الأطراف الأخرى مسؤولية جماعية في ضمان التنفيذ ومراقبة الامتثال.
وإلى جانب قرارات محكمة العدل الدولية، صدرت قرارات مجلس الأمن الدولي بشأن الوضع في قطاع غزة المحاصر منذ سنوات ولا سيما القرارات الدولية 2712 (2023)، 2720 (2023)، 2728 (2024)، و2735 (2024) والتي أكدت جميعها على:
• الوقف الفوري والكامل لإطلاق النار في قطاع غزة بوصفه التزاماً صادراً عن الجهاز التنفيذي للأمم المتحدة.
• ضمان وصول المساعدات الإنسانية العاجلة والمستمرة إلى جميع مناطق قطاع غزة دون عوائق أو قيود.
• حماية المدنيين والعاملين في المجالين الإنساني والطبي، بمن فيهم مُقدّمو الخدمات للأشخاص ذوي الإعاقة.
• حماية جميع المرافق المدنية والمستشفيات والمدارس وأماكن العبادة والمنشآت التابعة للأمم المتحدة.
• تيسير حرية الحركة والتنقل للعاملين الإنسانيين، بما يشمل الوصول الكامل للأشخاص ذوي الإعاقة.
إنَّ هذه القرارات الأممية والقضائية مُجتمعة، تُشكّل أساساً قانونياً واضحاً يُلزم جميع الدول والمنظمات الدولية والوكالات الأممية باتخاذ جميع التدابير الفورية والفعّالة لضمان حرية تدفق المساعدات إلى قطاع غزة، وبما يشمل إدماج احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة بفعالية في جميع مراحل التخطيط والتنفيذ والتمويل، مع ضمان الشفافية وحَوكمة الأداء.
وفي هذا السياق، تُذكّر "قادر" بأنَّ قرار مجلس الأمن رقم 2475 (2019)بشأن حماية وتعزيز حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة في حالات النزاع المسلح والاحتلال، يُلزم جميع الدول والهيئات الأممية بإدماج منظور شمول الإعاقة في جميع مراحل العمل الإنساني والإنعاش المبكر وإعادة الإعمار، وبضمان مشاركة الأشخاص ذوي الإعاقة في صياغة وتنفيذ البرامج التي تمس حياتهم مباشرة. ويُعدّ تجاهل هذه الالتزامات الدولية انتهاكاً مباشراً للقرار الأُممي الصادر عن مجلس الأمن ولمبدأ المساواة وعدم التمييز، خاصة في ظل ما يشهده قطاع غزة من دمارٍ شاملٍ طال الفئات الأشد ضعفاً ولا سيما الأشخاص ذوي الإعاقة.
ومن ثمّ، فإنَّ تضمين احتياجات ومتطلبات الأشخاص ذوي الإعاقة على منهج الشمول في الاستجابة الإنسانية الطارئة وإعادة الإعمار ليس خياراً طوعياً، بل التزاماً قانونياً وأخلاقياً يندرج ضمن مسؤوليات المجتمع الدولي تجاه الشعب الفلسطيني، استناداً إلى مبادئ القانون الإنساني الدولي واتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والمعايير الأُممية ذات الصلة.
نداء التنفيذ والمساءلة لأجل شمول الإعاقة
تُحمِّل مؤسسة "قادر" المجتمع الدولي والأمم المتحدة وجميع الدول الأطراف في اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة واتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية المسؤولية الكاملة عن ضمان تنفيذ قرارات محكمة العدل الدولية وقرارات مجلس الأمن ذات الصلة بما في ذلك القرار رقم 2475 (2019)، وكذلك استحقاقات والتزامات وقف إطلاق النار في قطاع غزة، لضمان إدماج احتياجات الأشخاص ذوي الإعاقة في الاستجابة الإنسانية العاجلة وبرامج الإنعاش المبكر وإعادة الإعمار.
وتدعو مؤسسة "قادر" إلى تحرك دولي عاجل وفعّال يضمن ما يلي:
- رفع جميع القيود والعراقيل أمام تدفق المساعدات الإنسانية والطبية، بما في ذلك الأجهزة والأدوية والمكملات الغذائية والمستلزمات والمستهلكات الطبية الخاصة بالأشخاص ذوي الإعاقة بمختلف أنواع الإعاقات.
- إدماج منهج شمول الإعاقة في خطط الإنعاش المبكر وإعادة الإعمار ضمن قطاعات البنية التحتية، والتعليم، والصحة، والإسكان، والمرافق العامة، بما يضمن الوصول الكامل والآمن للجميع، وخاصة الأشخاص ذوي الإعاقة.
- تخصيص تمويل مباشر ومستدام للمؤسسات المحلية المستقلة والمتخصصة العاملة في مجال الإعاقة، ولا سيما التي تُنفذ برامج في قطاع غزة، بوصفها شريكاً وطنياً مُعتمداً في تقييم الاحتياجات وإدارة الحالات ومتابعتها.
- تفعيل آليات المساءلة الدولية بحق أي طرف يَمنع أو يُعيق إدخال المساعدات الإنسانية والطبية والإيوائية، أو يستثني الأشخاص ذوي الإعاقة من برامج الدعم والإغاثة في كامل قطاع غزة.
- تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة ومؤسساتهم التمثيلية من المشاركة الأصيلة والفعّالة في صنع القرار الإنساني والتنموي، تنفيذاً لجوهر القرار الأممي 2475 (2019) ومبادئ اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة CRPD.
وتؤكد مؤسسة "قادر" أنَّ أيَّ برامج استجابة أو إعادة إعمار لا تُراعي منهج شمول الإعاقة، كأولوية، في ظل الظروف الكارثية المضاعفة التي يُعاني منها الأشخاص ذوو الإعاقة في قطاع غزة، ستُعيد إنتاج التهميش والإقصاء والتمييز، وتُشكل انتهاكاً صريحاً للالتزامات القانونية للدول والهيئات الدولية وأجهزة الأمم المتحدة ووكالاتها بموجب مبادئ وأحكام القانون الإنساني الدولي، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، ولا سيما اتفاقية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة والمعايير الدولية ذات الصلة.
فالإعمار العادل يبدأ من كرامة الإنسان، ولا كرامة تُبنى على الإقصاء.